في أحد الأحياء الهادئة، كانت تعيش فتاة تُدعى ريم مع عائلتها في منزل قديم وواسع، يقع في طرف المدينة. المنزل كان يبدو عاديًا من الخارج، لكن كانت هناك دائمًا هالة غريبة تحيط به، شيء غير مرئي كان يثقل الأجواء. لم تكن ريم تلاحظ ذلك كثيرًا في البداية، لأنها نشأت في هذا المنزل، وتعودت على كل زاوية وكل صوت فيه. ومع ذلك، شيئًا فشيئًا، بدأت تحدث أشياء غريبة، أشياء لم تستطع تفسيرها.
بدأت هذه الاحداث منذ عودة والديها من رحلتهم الجبلية الأخيرة حيث أنهما يعملان في البحث عن الظواهر الغريبة وكانوا يبحثون في منطقة يقال عنها انها مسحورة ويسكن فيها قبيلة من الجن.
ذات مساء، بينما كانت ريم جالسة في غرفة المعيشة، تقرأ كتابًا على الأريكة، بدأ شعور غريب يتسلل إلى قلبها. كان الجو هادئًا جدًا، والظلال الطويلة للأشجار تحركها الرياح من النوافذ المشرعة، لكن هناك شيء كان يزعجها. كانت تسمع أصواتًا خفيفة تأتي من المطبخ، كأن أحدهم يفتح الأدراج أو يمشي على الأرض الخشبية.
“أمي؟ أبي؟” نادت بصوت منخفض، لكن لم يكن هناك رد.
نهضت ريم بحذر، وعينها تتنقل بين الظلال في الغرفة. قلبها ينبض في صدرها، وكانت تشعر بشيء غريب في جوفها، كما لو أن هناك شيئًا غير مرئي يراقبها.
دخلت المطبخ، وكانت الأضواء خافتة جدًا، مما جعل الظلال تتسارع وتخبو في الزوايا المظلمة. وبينما كانت تقترب من الطاولة، لاحظت أن الأطباق على الطاولة تتحرك ببطء، كما لو أن يدًا غير مرئية كانت تحركها، حتى أن بعضها سقط على الأرض وأصدر صوتًا مدويًا.
“ماذا يحدث هنا؟” همست ريم، ويدها ترتجف.
في تلك اللحظة، شعرت بشيء بارد يلامس وجهها. التفتت بسرعة، لكنها لم تجد شيئًا. كانت الغرفة موحشة، والهواء ثقيلًا برائحة عفن قديم. شعرت بشيء غير مرئي يضغط على صدرها.
التحقيق في الحوادث
في اليوم التالي، قررت ريم أن تسأل عن الحوادث التي تحدث في المنزل. لكنها كانت مترددة، لا تريد أن تظن أسرتها أنها تتخيل الأمور.
في العشاء، بينما كان يجلس والديها على الطاولة، حاولت ريم فتح الموضوع بحذر.
“أمي، أبي… هل حدث شيء غريب في المنزل مؤخرًا؟” سألتهما، وحاولت أن تبقي صوتها هادئًا.
أجابتها والدتها بابتسامة دافئة، لكن عيونها كانت فارغة، وكأن هناك شيء غريب في نظرتها: “لا، حبيبي. كل شيء طبيعي هنا. لماذا تسألين؟”
لكن نظرة والدها كانت غريبة. كانت عيونه ضبابية وكأنها لا ترى، وكأنما كان ينظر من خلال جدران الغرفة وليس إليها. قلب ريم بدأ ينبض بسرعة أكبر، لكن حاولت أن تتجاهل ذلك.
“لا شيء، لا شيء.” قالت ريم، وهي تبتسم بشكل متوتر، بينما كانت تشعر بشيء غير مريح يزداد في جو الغرفة.
لكن الحوادث استمرت. الأضواء تنطفئ فجأة، أصوات خطوات غير مرئية تتبعها في أرجاء المنزل، وكانت تشعر بشيء ثقيل يراقبها أثناء نومها. وفي بعض الأحيان، كانت تشعر بشيء بارد يلامس أطراف أصابعها، كما لو أن يدًا غير مرئية تلمسها في الظلام.
ثم جاء اليوم الذي توقفت فيه ريم عن تجاهل ما كان يحدث. كانت في غرفتها تتصفح ألبوم الصور العائلية، عندما توقفت عند صورة قديمة لوالديها. كانت الصورة قد أُخذت منذ سنوات طويلة في أحد الأيام المشمسة، وكانا يبتسمان بابتسامة عريضة، لكن خلفهما، في الزاوية البعيدة، كانت هناك صورة ضبابية لرجل وامرأة.
وكانت الصورة غريبة للغاية؛ الرجل والمرأة كانا يتلاشيان تدريجيًا داخل الظلال، كأنهما لا ينتميان إلى هذا العالم.
فجأة، شعرت بشيء يلمس كتفها. التفتت بسرعة، لكن لم تجد أحدًا. كان الجو في الغرفة باردًا جدًا، والظلال كانت تتراقص في كل مكان. قبل أن تتمكن من التفكير، سمعت صوتًا خافتًا من خلفها:
“ريم… هل تحبين مشاهدة الصور القديمة؟”
استدارت ريم بسرعة، فوجدت والدتها أمامها، لكنها كانت تقف في الظل، عيونها فارغة، عيون لا حياة فيها. كانت تقف على بعد خطوات منها، لكنها كانت تتحرك ببطء غير طبيعي، وكأنها جزء من الظلال نفسها.
“ماما؟” همست ريم بصوت مرتجف، “ما الذي يحدث هنا؟
لكن والدتها لم تجب. اقتربت منها بخطوات ثقيلة، وعينها تراقبها بنظرة غريبة، كأنها تحاول أن تخبرها بشيء. كانت تحرك شفتيها، لكن الصوت الذي خرج منها كان غير طبيعي. لم يكن صوت والدتها، بل كان صوتًا بعيدًا، كأنها لا تتكلم من جسدها.
“أنتِ لستِ هنا… أنتِ لستِ هنا…” همست والدتها، بينما اختفت تدريجيًا في الظل.
تراجعت ريم إلى الوراء، وعينها تراقب كل شيء حولها. كانت تشعر بشيء ثقيل يضغط على قلبها، والظلال حولها تتكاثف وتتحرك كأنها كائنات حية.
ثم، بينما كانت ريم تحاول الهروب من الغرفة، شعرت بشيء ثقيل يلمس رأسها. كان هناك صوت آخر، صوت والدها، يأتي من الظلال:
“الوقت قد حان يا ريم… لقد مر عام كامل على الحادث، يجب أن تعرفي الحقيقة.”
“ما الذي تقوله؟ ماذا تقصد؟” قالت ريم بصوت مرتجف، وهي تحاول أن تتحرك، لكن قدميها أصبحتا ثقيلتين، كما لو أن الأرض نفسها كانت تسحبها إلى الأسفل.
وفجأة، ظهر أمامها مشهد مرعب. كان الجدار أمامها يظهر صورة ضخمة لحادث سيارة. كانت السيارة قد انقلبت على جانبها، وكانت الدماء قد غطت الطريق. كان واضحًا أن الحادث كان مروعًا. كان والديها في السيارة، وكانا ميتين في الحادث.
ثم، قال والدها بصوت خافت، ولكنه واضح:
“نحن في عالم آخر الآن، ريم. نحن هنا لأنك لا تزال بحاجة إلينا. نحن موجودون في هذه الظلال، ننتظرك. لكن يجب أن تكملي حياتك، بعيدًا عنا.”
شعرت ريم وكأن قلبها قد توقف عن الخفقان. كانت تجلس في الظلام، عيونها مليئة بالدموع، بينما كانت تراقب والديها يختفيان في الظلال.
وفي تلك اللحظة، اختفى كل شيء. اختفت الظلال، اختفى والديها، واختفى المنزل.
استفاقت ريم في صباح اليوم التالي في غرفتها. كانت الشمس تشرق من النوافذ، وكان المنزل هادئًا تمامًا، كما لو أن شيئًا لم يكن. لكن ريم كانت تعرف الآن الحقيقة. كانت تعرف أنها يجب أن تمضي قدمًا في حياتها، بعيدًا عن هذا المنزل، بعيدًا عن تلك الظلال المظلمة التي كانت تتبعها.