الذي لا يلمع في النهار، يلمع في الليل
“الذي لا يلمع في النهار، يلمع في الليل”
مقدمة
الإنسان كالجوهرة، قد لا يظهر بريقه في كل الظروف، ولكن حين تتهيأ الأوقات المناسبة تظهر قيمته الحقيقية. هذه الفكرة تحمل في طياتها درسًا عميقًا: النجاح والبروز لا يرتبطان بزمان أو مكان محددين، بل بالاستمرارية والإصرار. في الإسلام، تُعزز هذه الفكرة من خلال تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، التي تؤكد على قيمة العمل والاجتهاد في كل الأوقات، مع الثقة بأن الله يرى الجهد حتى لو لم يره الناس.
العمل الصالح والبروز الحقيقي
القرآن الكريم يدعو إلى العمل الصالح في السر والعلن. يقول الله تعالى:
“إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (سورة البقرة: 271).
الآية تؤكد أن الله يعلم العمل الخفي كما يعلم العمل الظاهر، وأن الأجر الحقيقي يأتي من إخلاص النية.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
“سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله…” وذكر منهم: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه” (رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث يبين أن البريق الحقيقي للإنسان ليس في الشهرة، بل في الإخلاص والعمل الصالح الذي يعلمه الله.
بريق الإنسان في أوقاته المناسبة
ليس كل شخص يظهر قدراته في كل الأوقات، لكن الله يهيئ لكل إنسان لحظة مناسبة ليبرز فيها. يقول الله تعالى:
“وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْـًۭٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْـًۭٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (سورة البقرة: 216).
قد تأتي الفرصة في وقت لم يكن يتوقعه الإنسان، لكنها تكون الأنسب له من حيث لا يدري.
وفي الحديث الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“اعملوا فكل ميسر لما خلق له” (رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث يطمئن المؤمن أن لكل شخص قدرات ومهام تتناسب مع ظروفه، وأن اللحظة المناسبة للبروز ستأتي حتمًا.
التأمل في الطبيعة: الليل والنهار
الليل والنهار من آيات الله التي تذكر الإنسان بضرورة استغلال الفرص. يقول الله تعالى:
“وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا۟ لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ” (سورة فصلت: 37).
الليل والنهار يتبادلان الأدوار، ولكل منهما أهميته، مما يعكس فكرة أن لكل وقت فرصته.
وقال الشاعر:
“قد يُدرِكُ المتأَنِّي بعضَ حاجتِه
وقد يكونُ مع المُستَعجلِ الزللُ”
هذا البيت يعبر عن أهمية الانتظار والثقة بأن لكل وقت إنجازاته.
الإبداع في الخفاء
أحيانًا يكون الخفاء أكثر لمعانًا من العلن. فهناك من يعمل بصمت، وينتظر لحظته ليضيء كالقمر في ظلمة الليل. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” (رواه مسلم).
هذا الحديث يؤكد أن القيمة الحقيقية ليست في الظهور أمام الناس، بل في النية والعمل الخالص لله.
وقال المتنبي:
“إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ”
البيت يبرز أن الطموح العالي يحتاج صبرًا حتى يحين وقت التألق.
الخاتمة
“الذي لا يلمع في النهار، يلمع في الليل” تعبير عن الأمل والإصرار، وعن أن لكل إنسان وقته وفرصته ليبرز. في الإسلام، الأهمية ليست في أن يُرى العمل، بل في أن يكون مخلصًا لله، فبريق الإخلاص هو الذي يدوم. كما أن الزمن كفيل بأن يمنح كل مجتهد فرصته للتألق، سواء في النهار أو في الليل. فالثقة بالله والعمل الدؤوب هما السبيل إلى البريق الحقيقي.