اسمع نصيحتي

الحياة قطار سريع بالفعل؛ الماضي حلم لا يعود، والمستقبل وهم لا ندركه. يبقى الحاضر هو الحقيقة التي نعيشها

“الحياة قطار سريع ما اجتازه حلم، وما هو مقبل عليه وهم”

مقدمة

الحياة أشبه برحلة على قطار سريع، تمر فيها المشاهد واللحظات بسرعة خاطفة. ما مضى من العمر يصبح ذكرى أشبه بالحلم، وما ينتظرنا في المستقبل قد يبدو غامضًا، أقرب إلى الوهم. وفي ظل هذه السرعة التي لا تتوقف، يجب أن يدرك الإنسان قيمة كل لحظة يعيشها، ويعمل لما ينفعه في دنياه وآخرته.


قيمة الزمن في الإسلام

القرآن الكريم والسنة النبوية شددا على أهمية الوقت وكيفية استغلاله. يقول الله تعالى:
“وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” (سورة العصر).
الآية توضح أن كل لحظة في الحياة ثمينة، وأن النجاة تكمن في استثمار الزمن في الإيمان والعمل الصالح.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” (رواه الحاكم).
هذا الحديث دعوة مباشرة لاستغلال القطار السريع للحياة قبل أن ينتهي المسار.


الماضي: الحلم الذي عبر

الماضي أشبه بحلم انتهى، فلا يمكن تغييره، لكنه يترك أثرًا دائمًا في حياة الإنسان. يقول الشاعر أبو تمام:
“ليس الحَصيفُ الذي يَرْضى بفَوزِهِ
حتَّى يكونَ له في الماضِيَ العِبَرُ”

فالإنسان الحكيم هو من يتعلم من الماضي، لا من يظل عالقًا فيه.

ويدعونا الإسلام إلى الاستفادة من التجارب السابقة بدل الغرق في الحسرة عليها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين” (رواه البخاري).
الحديث يحث على التعلم من الأخطاء الماضية، لا على الندم الذي يعطل المسير.


المستقبل: الوهم الذي يراود

المستقبل، وإن كان محفزًا للأمل والطموح، يبقى غيبًا في علم الله. يقول الله تعالى:
“وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ” (سورة لقمان: 34).
الآية تذكر الإنسان بعدم الإفراط في التخطيط للمستقبل على حساب واقعه، فالغد بيد الله وحده.

وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
“اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.”
هذا القول يوازن بين الأمل في المستقبل والواقع الحاضر، فلا نعيش في وهم الغد على حساب العمل اليوم.


الحاضر: الحقيقة الوحيدة

الحاضر هو اللحظة التي يمتلكها الإنسان فعليًا. هو المساحة التي يمكن أن يعمل فيها لتحقيق أهدافه. يقول الشاعر:
“دَعِ الماضي لنسيانه
فما تَصْلُحُ الأرضُ بالعفنِ”

الحاضر هو الفرصة الحقيقية للإنجاز، وما مضى أو سيأتي لا يمكن التحكم فيه.

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالتركيز على العمل الحاضر حين قال:
“إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل” (رواه أحمد).
الحديث يعكس أهمية العمل حتى في أصعب الظروف، مما يؤكد قيمة الحاضر.


الحكمة من سرعة الحياة

الحياة السريعة تجعلنا ندرك أن الزمن لا ينتظر أحدًا، وأن الاستعداد للآخرة هو الغاية الكبرى. يقول الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ” (سورة الحشر: 18).
فالإنسان مسؤول عن كل لحظة، وما يقدمه في الحاضر سيكون زاده في المستقبل الأبدي.

وقال الشاعر:
“إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ”

الحياة قصيرة، فلا ينبغي أن تضيع في أمور تافهة، بل يجب السعي نحو تحقيق الأهداف العظيمة.


الخاتمة

الحياة قطار سريع بالفعل؛ الماضي حلم لا يعود، والمستقبل وهم لا ندركه. يبقى الحاضر هو الحقيقة التي نعيشها، ومن خلاله نصنع أثرًا نافعًا لنا ولغيرنا. الإسلام يدعونا إلى استثمار كل لحظة في طاعة الله والعمل لما ينفعنا في الدنيا والآخرة، لأن “الحياة ليست بطولها، بل بجودتها واستغلالها.”

Google ad sense

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى