“والمرء ليس بصادق في قوله حتى يؤيد قوله بفعاله”
مقدمة
الصدق ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو أفعال تترجم تلك الكلمات إلى واقع ملموس. الإنسان الذي يدعي أمرًا ولا يعمل بمقتضاه يفقد المصداقية والثقة، سواء في نظر الآخرين أو أمام نفسه. وهذا المعنى يتجسد في الحكمة العميقة: “والمرء ليس بصادق في قوله حتى يؤيد قوله بفعاله”، التي تدعو إلى التلازم بين القول والعمل، وهو مبدأ راسخ في الإسلام والشعر العربي.
الإسلام يدعو إلى التلازم بين القول والعمل
القرآن الكريم حث المسلمين على أن يكونوا صادقين في أقوالهم وأفعالهم، ونبذ التناقض بين ما يقولونه وما يفعلونه. يقول الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (سورة الصف: 2-3).
هذه الآيات تبرز أن الصدق في الأقوال لا يكون حقيقيًا إلا إذا دعمه العمل، وتصف النفاق بين القول والفعل بأنه أمر عظيم يثير مقت الله.
وفي السنة النبوية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” (رواه البخاري).
الحديث يربط بين القول والعمل، فالمسلم الصادق هو من لا يؤذي بلسانه ولا بفعله، مما يعكس اتساق أفعاله مع أخلاقه.
الحكمة العربية: القول دون عمل لا يُعتد به
الشعر العربي مليء بالحكم التي تعزز هذا المبدأ. يقول الشاعر:
“لا تَنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثلَهُ
عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ”
ويقول آخر:
“لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُهُ
فلم يبقَ إلا صورةُ اللحمِ والدمِ”
الشاعر هنا يشير إلى أن الكلمة ليست كافية ما لم تكن نابعة من القلب، مصحوبة بأفعال تدعمها.
الأثر الإيجابي للصدق في القول والفعل
الإنسان الذي يصدق في أقواله وأفعاله يكسب احترام الآخرين وثقتهم. يقول المتنبي:
“إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ”
فالمرء الذي يسعى لتحقيق أهداف عظيمة ينبغي أن يعمل بجدٍ لتحقيقها، لا أن يكتفي بالكلام دون فعل.
ومن مظاهر هذا الصدق أيضًا الالتزام بالوعود. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” (رواه البخاري).
المنافق هنا يُعرف بعدم التزامه بما يقول، مما يجعل أفعاله تناقض أقواله.
تطبيق الصدق في حياتنا اليومية
إن تطبيق هذه الحكمة في حياتنا يجعلنا نعيش بشفافية ومصداقية، سواء في العمل أو في العلاقات الاجتماعية. الشخص الذي يتحدث عن الإحسان يجب أن يكون محسنًا، والذي يدعو إلى الأمانة ينبغي أن يكون أمينًا.
قال الشاعر:
“إنّ الكلامَ لفي الفؤادِ وإنما
جُعلَ اللسانُ على الفؤادِ دليلَا”
فالصدق يظهر في أفعال الإنسان التي تعكس ما في قلبه.
الخاتمة
“والمرء ليس بصادق في قوله حتى يؤيد قوله بفعاله” حكمة تدعونا إلى جعل أفعالنا مرآة لأقوالنا. الإسلام والشعر العربي يشددان على هذا المبدأ، لأنه أساس بناء الثقة وتحقيق المصداقية. فالكلمات وحدها لا تكفي؛ العمل هو الذي يعطيها قيمة ومعنى.
“الصدق ليس أن تقول الحق فقط، بل أن تعيشه في كل تفاصيل حياتك.”