المحاكمة
في طريقنا إلى مكان البحيرة كما اتفقنا مع (رِمَاح)
وأنا غارق في ذكريات الشهر الماضي.وما عايشته من رعب ومواقف مخيفة. كنت لا أعلم هل هي حقيقية أم من وحي خيالي؟
وجدت نفسي أنظر الى نهلة وأفكر.
هل ستعود لحالتها الطبيعية؟
ماذا سيحدث عند وصولنا للمكان المتفق عليه؟
هل نستطيع الوثوق ب رماح؟
هل سنعود سالمين؟
نظرت إلى نهلة وإذا بي أجدها أيضا غارقة في أفكارها.
تنظر في الأفق البعيد تملأ عقلها الأفكار وكأنها وحدها في العالم الخالي الخاص بها .
أكملنا الطريق وكلا منا في واد خاص به من الأفكار والتساؤلات التي لانعرف لها إجابات بعد.
عندما اقتربنا من المكان كانت الشمس قد غابت وجدت نهلة تمسك بيدي بقوة وتضغط عليها وهي ترتعش.
نظرت إليها فوجدتها تنظر الى مكان البحيرة ووجهها شاحب اللون وهي تمسك بيدي وكأنها تطلب مني عدم إكمال
الرحلة. احتضنت يدها بين كفي ثم لففت ذراعي حول كتفها وضممتها لأطمئنها حتى شعرت بضربات قلبها المتسارعة .
مررنا بجوار البحيرة وأكملنا الطريق حتى صعدنا التل الذي يوجد عليه الشجرة التي كانت ترسمها نهلة في لوحاتها
وعندما وصلنا للمكان وجدنا رماح يجلس أمام الشجرة
- على بساط من القماش مربع وعلى جوانبه أربع شمعات في كل زاوية شمعة .
- وأمامه صحن عميق يوجد به ماء.
- ومبخرة تخرج منها رائحة البخور القوية.
أشار إلينا بالجلوس بجواره جلست أنا ونهلة ثم وجدت نهلة تمسك يدي وتضغط عليها بشدة شعرت بخوفها من نظرة
عينيها وهي تنظر لي خائفة مما سيحدث وتطلب مني الأمان ولكن وللحقيقة كنت أنا ايضا أشعر بالخوف وعدم توقع ماسوف يحدث.
بدأ رماح في القراءة وهو مغمض العينين بردائه الأسود ذو غطاء رأس يغطي به رأسه وينزله قليلا على عينيه .
فجأة شعرت بأن سواد الليل أصبح أشد وكأن ضوء الشموع غير موجود حتى بعد تأكدي أنها مازالت مشتعلة وهذا
ماتعجبت منه فلقد أصبح الليل كاحلا أكثر فأكثر.
شعرنا بأن الجو زادت حرارته وأصبح حار أكثر مما كان عند حضورنا .
فجأة سمعت رماح يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قال ذلك بصوت هادئ غريب وبنبرة بطيئة
شعرت برعب وزادت ضربات قلبي وشدت نهلة على يدي .
نظرت إليها فوجدتها مغمضة عينيها كأنها لاتريد أن ترى شيئا.
كان رماح يجلس على يساري ونهلة على يميني وأمامنا الشجرة المذكورة أمامي مباشرة.
لايمكن وصف ماكنت اشعر به من رعب عندما رأيت كأن دخان أبيض يتشكل على شكل أشخاص ثلاثة على اليسار وثلاثة
على اليمين وعلى أقصى اليمين كأن هناك قفص بداخله يجلس أحد ما .
لم تكن التفاصيل واضحة تماما فقط هيئات خارجية لأجسام .
وكان يظهر مثل الضوء الأخضر من الدخان الظاهر على اليمين وضوء أحمر من الدخان الذي عللى اليسار وكان الضوء مكان العيون وهو ماحدد أكثر انهم أشخاص أو كيانات معينة .
ثم بدأ الحوار الأتي وهو ماكنا نسمع جميع أطرافه من خلال رِمَاح.
وكان ذلك يصدر منه بصوت خافت عميق
وهادئ.
كيف حالك يافؤاد؟
نظرت إليه في رعب وأنا لا أعلم هل أرد عليه ؟
أم ماذا أفعل؟
ولكني وجدت نفسي أقول: الحمد لله
رد علي وكأنه شعر بالرعشة في صوتي.
لاتقلق أنت آمن معنا بإذن الله.
بعد فترة صمت قليلة وجدته يقول :
نحن هنا اليوم ومعنا أفراد من قبيلة الجني الذي تعدى على حياتكم بغير وجه حق.
ولقد تشاورنا معهم ووصلنا إلى أنهم هم من سيقومون بتأديب إبنهم لتعديه عليكم.
فما هي الترضية المناسبة لك؟
لم أكن أتوقع هذا الكلام في الحقيقة.
وأصابتني صدمة لأن ما أسمعه يلغي كل توقعاتي وماكنت أسمعه من قصص وأقاويل عن ذلك العالم .
وجدت نفسي أقول بنفس رعشة الصوت .
فقط أريد عودتي وزوجتي لحياتنا الطبيعية.
وعدم حدوث ذلك مرة أخرى.
رد علي نفس الصوت :
ولكن يجب أن تطلب شيئاً.
فهمت أنه يريد أن يفرض عليهم غرامة أو ماشابه ذلك.
ولكن لم يكن هناك شيئاً في عقلي.
فإخترت الصمت.
قال حسناً لقد تم الأتفاق بمحاكمة أبنهم وأخذ عهد عليهم بعدم التعرض لك أو زوجتك وجميع نسلك حتى آخر نسلك.
هل هذا يرضيك؟
رددت موافقاً.
قال: توكلنا على الله.
ساد الصمت قليلاً ثم وجدته يمد يديه فوق صحن المياه الموجود أمامه.
ويحرك يديه من فوقه ثم رفع يديه فوجدت كأن هناك علامة رسمت على المياه.
كانت مثل ختم أو علامة معينة.
ثم أختفت العلامة ورفع رماح يديه مرة أخرى فوق الصحن
وقام بعمل نفس الحركة السابقة مرة أخرى.
وعندما رفع يديه وجدت أنه قد ظهرت علامة أخرى ولكنها تضيء قليلاً باللون الأحمر مع أن المياه كانت صافية وليست ملونة.
ثم قال لي لقد تم أخذ العهد بالإتفاق الذي قمنا به.
ثم خرجت نار من صحن المياه
فوجئت بما حدث وتعجبت من تلك الطقوس الغريبة التي حدثت
فلقد كنا نسمع كلام كثير مختلف عما رأيته لأن ماحدث في هذه الليلة بما رأيته من طقوس وماسمعته يجعلني أفكر
أكثر في ذلك العالم وأعلم أنه ليس عالم عشوائي بل تحكمه قوانين معينة.
ويتم الإلتزام بها من الجميع وهناك ثواب وعقاب لمن يخطئ.
ثم سمعته يقول: هل لك طلبات أخرى؟
فرددت قائلاً في هدوء: لا شكرا لك ولكن فضولي يجعلني أسأل سؤال في عقلي
قال : ماهو؟
قلت: هل يمكن أن أعرف مع من أتكلم؟
سكت قليلاً ثم إبتسم إبتسامة خفيفة
وقال:في أمان الله يافؤاد . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم وجدت الدخان الذي كان يوجد على جانبي الشجرة قد إختفى.
وعاد ضوء القمر الى السماء.
ورماح يأخذ نفساً عميقاً وينظر إلى ويقول : كان يجب أن تطلب شيئا منهم .
فأخبرته أنه يكفيني أن أعود لحياتي الطبيعية وتعود نهلة كما كانت من قبل تلك الليلة.
صمت قليلاً ثم قال: هذا شيئاً يعود إليك
لقد حضرت المحاكمة وسمعت ورأيت ما تم الإتفاق عليه.
وأخيراً فتحت نهلة عينيها وكأنها لم تكن موجودة معنا.
قام رماح بجمع الشموع بعد إطفاء نارها.
واطفاء مابقي في المبخرة وطي البساط الذي كنا نجلس عليه.
ثم طلب مني حمل صحن المياه وإلقاء مافيه من مياه في البحيرة التى كنا فيها في تلك الليلة وهي البحيرة الوحيدة الموجودة بجانب الشجرة.
قمت بما طلبه مني.ثم ركبنا سياراتنا وودعنا رماح مع تمنيه لنا بحياة هادئة وقد شكرته بقوة وطلبت منه مسامحتي على أي تقصير بدر مني .
وهذه عادة لدي حتى ولو لم يصدر مني اي تقصير.
بعد ثلاثة أيام .
أيقظتني نهلة وهي تخبرني أنها بعد إستيقاظها من النوم شعرت برغبة في رفع وسادتها كأن هناك من يخبرها بفعل ذلك.
وعندما رفعت وسادتها وجدت بها كيس من القماش يوجد به بعض الأحجار الكريمة والغريبة.
تعجبت مما حدث وماسمعته من نهلة وخفت أن يكون الأمر قد عاد .
أمسكت بهاتفي سريعاً واتصلت برماح.
أخبرته بما حدث ووجدته يرد علي في هدوء بعد فترة صمت قد أعدت عليها منه.
ثم أخبرني أنها هدية من قبيلة الجني المعتدي على تفهمهم وعدم طلبهم بما يؤذي إبنهم كنوع من رد الجميل.
انهيت المكالمة وأنا في حالة صدمة ودهشة كاملة من ذلك الفعل وأنا أخبر نفسي بأني إذا حكيت قصتي لأي شخص سوف يتهمني بالجنون.
ولكن قصتي تؤكد أن لذلك العالم جوانب أخرى كثيرة لانعلم عنها شيئاً.
وأن ليس كل مانسمعه هو الحقيقة الوحيدة.
